سورة الصافات - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ} أي: له، وقيل: عنده {شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} يعني: القرع، على قول جميع المفسرين.
وقال الحسن ومقاتل: كل نبت يمتد وينبسط على وجه الأرض ليس له ساق ولا يبقى على الشتاء نحو القرع والقثاء والبطيخ فهو يقطين.
قال مقاتل بن حيان: فكان يونس يستظل بالشجرة، وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها بكرة وعشية حتى اشتد لحمه ونبت شعره وقوي، فنام نومة فاستيقظ وقد يبست الشجرة فحزن حزنًا شديدًا وأصابه أذى الشمس فجعل يبكي، فبعث الله تعالى إليه جبريل وقال: أتحزن على شجرة ولا تحزن على مائة ألف من أمتك وقد أسلموا وتابوا. فإن قيل: قال هاهنا: {فنبذناه بالعراء وهو سقيم}، وقال في موضع آخر: {لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء} [القلم- 49] فهذا يدل على أنه لم ينبذ؟
قيل: {لولا} هناك يرجع إلى الذم، معناه: لولا نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم، ولكن تداركه النعمة فنبذ، وهو غير مذموم.
قوله عز وجل: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ} قال قتادة: أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل قبل أن يصيبه ما أصابه، وقوله: {وأرسلناه} أي: وقد أرسلناه، وقيل: كان إرساله بعد خروجه من بطن الحوت إليهم، وقيل: إلى قوم آخرين. {أَوْ يَزِيدُونَ} قال ابن عباس: معناه: ويزيدون{أو} بمعنى الواو، كقوله: {عذرًا أو نذرًا} [المرسلات- 6]، وقال مقاتل والكلبي: معناه بل يزيدون.
وقال الزجاج: {أو} هاهنا على أصله، ومعناه: أو يزيدون على تقديركم وظنكم، كالرجل يرى قومًا فيقول: هؤلاء ألف أو يزيدون، فالشك على تقدير المخلوقين، والأكثرون على أن معناه: ويزيدون.
واختلفوا في مبلغ تلك الزيادة فقال ابن عباس، ومقاتل: كانوا عشرين ألفًا، ورواه أبيُّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الحسن: بضعًا وثلاثين ألفًا. وقال سعيد بن جبير: سبعين ألفًا.


{فَآمَنُوا} يعني: الذين أرسل إليهم يونس بعد معاينة العذاب، {فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} إلى انقضاء آجالهم.
قوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِم} فاسأل يا محمد أهل مكة وهو سؤال توبيخ، {أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} وذلك أن جهينة وبني سلمة بن عبد الدار زعموا أن الملائكة بنات الله يقول: جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين.
{أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا} معناه: أخلقنا الملائكة إناثًا، {وَهُمْ شَاهِدُونَ} حاضرون خلقنا إياهم، نظيره قوله: {أشهدوا خلقهم} [الزخرف- 19].
{أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ} من كذبهم، {لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.
{أَصْطَفَى} قرأ أبو جعفر: {لكاذبون اصطفى} موصولا على الخبر عن قول المشركين، وعند الوقف يبتدئ: {اصطفى} بكسر الألف، وقراءة العامة بقطع الألف، لأنها ألف استفهام دخلت على ألف الوصل، فحذفت ألف الوصل وبقيت ألف الاستفهام مفتوحة مقطوعة، مثل: استكبر ونحوها، {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ}.
{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} لله بالبنات ولكم بالبنين.
{أَفَلا تَذَكَّرُونَ} أفلا تتعظون.
{أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} برهان بين على أن لله ولدًا.


{فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ} الذي لكم فيه حجة {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في قولكم.
{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} قال مجاهد وقتادة: أراد بالجنة: الملائكة، سموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار.
وقال ابن عباس: حي من الملائكة يقال لهم الجن، ومنهم إبليس، قالوا: هم بنات الله.
وقال الكلبي: قالوا- لعنهم الله- بل تزوج من الجن فخرج منها الملائكة تعالى الله عن ذلك، وقد كان زعم بعض قريش أن الملائكة بنات الله تعالى الله، فقال أبو بكر الصديق: فمن أمهاتهم، قالوا: سروات الجن.
وقال الحسن: معنى النسب أنهم أشركوا الشياطين في عبادة الله، {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُم} يعني قائلي هذا القول {لَمُحْضَرُونَ} في النار، ثم نزه نفسه عما قالوا فقال: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} {إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} هذا استثناء من المحضرين، أي: أنهم لا يحضرون.
قوله عز وجل: {فَإِنَّكُمْ} يقول لأهل مكة: {وَمَا تَعْبُدُونَ} من الأصنام.
{مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} على ما تعبدون، {بِفَاتِنِينَ} بمضلين أحدًا.
{إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} إلا من قدر الله أنه سيدخل النار، أي: سبق له في علم الله الشقاوة.
قوله عز وجل: {وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} يقول جبرائيل للنبي صلى الله عليه وسلم وما منا معشر الملائكة إلا له مقام معلوم، أي: ما منا ملك إلا له مقام معلوم في السموات يعبد الله فيه.
قال ابن عباس: ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي أو يسبح.
وروينا عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أطت السماء، وحق لها أن تئط، والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله» قال السدي: إلا له مقام معلوم في القربة والمشاهدة.
وقال أبو بكر الوراق: إلا له مقام معلوم يعبد الله عليه، كالخوف والرجاء والمحبة والرضا.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9